Dienstag, 1. Juli 2014

هنا مرت ثلاثون عاما

هنا مرت ثلاثون عاما:

مداد القلم يكاد ينضب، وانبوبه يتلوي ألما حينما اكتب بيدي المرتعشة لقد بلغت اللاثين، شعور رهيب يهز اعماق نفسي ويزلزل سكناتها، ويهتف صوت عميق داخلها ويقول لها قولي صارخة: مادت بي الارض عند اللاثين.
هنا في ارض غير بلادي بلغت الثلاثين٬ بين ذكريات مضت وغد سيأتي لا اعرف ملامحه،  حياتنا مجرد حكاية تحكي ثم تطوي صفحاتها٬ لكن تبقي الذكريات عالقة وتمر امامي كأنها يوم وليلة، طيلة عمري وأيامي ذات الثلاثين عاما كنت أبحث عن الانسان في قيمه ومبادئه وأخلاقه، في كل مكان هناك صيغة واحدة لذلك الانسان، أتذكر نفسي بين حضن ابي وآمي، وبين شعوري بالوحدة، ذلك الشعور الذي لازمني طيلة حياتي، لا اعرف لماذا، هل لكوني وحيدا ؟ أم شعوري بالاغتراب في هذا العالم. 

نشأت وحيدا في بيتنا الصغير، حدود العالم بالنسبة الي هي تلك الجدران الاربع لبيتنا، وشارع حارتنا الصغير الذي لم يكن يتسع لاكثر من ٤أشخاص يمرون فيه علي التوازي، فتحت عيني علي خرافات اهل القرية واعتقاداتهم، علي بساطتهم تارة وعلي مكرهم تارة أخري، اتذكر قطتي التي كنت آلعب معها واحتضنها في سريري، فقد كان لي اربع قطط كنت اسميهم بنفس الاسم، عندما يموت احدهم استبدل الآخر بذات الاسم „مشمش“، كنت أقيم لكل واحد منهم جنازة عند موته بين اصحابي، وكنت اقبره، لا أعرف لماذا؟ لكن الشعور الدي كان ينتابني حينها أن الانسان يقبر الاشياء العزيزة الي قلبه ليصونها حتي بعد موتها.

عن ضحكة أبي وحنانه ولمسة يديه التي تحمل دفء العالم بين جنباتها، عن عباراته وكلماته التي شكلت وجداني: كن عفيف النفس غنيا وليكن الرضا في القناعة، نم قرير العين وأوكل كل أمورك لله، عن أمي وطيبة قلبها وعفويتها وحسن ظنها وكلماتها في الازمات دائما: العبد في التفكير والرب في التدبير، آتذكر حينما كان والدي يقتطع من راتبه لاتعلم، ويقول دائما: لن أورثك مالا لأنه لا مال لدي، لكن العلم هو الميراث، فلو جاع عقلك ستجوع طيلة عمرك، ولكن لو جاعت بطنك فقليل من الماء والطعام يشبعها. عن كلماته التي يقولها دائما: اذا ضاقت الصدور فليس هناك من مكان آخر أوسع منها في هذه الدنيا، وكأنه يستحوي كلمات عمرو بن الاهتم في بيته:
لعمرك ماضاقت بلاد بأهلها ولكن أحلام الرجال تضيق.
وقوله دائما لن يضيرك شيئ لو خسرت العالم كله وربحت نفسك، فإنما تبني النفوس بالعزة والكرامة.


عن قريتنا التي عشت فيها وعن أهلها والكهرباء التي كانت تزورهم كالضيف، عن الخرافات التي يركنون اليها والاساطير التي يبنونها في الظلام حول حياتهم وحول حاكمهم،  عن المقولة التي يتربون عليها „مصر أم الدنيا“ وقد تجد الواحد منهم عاش ومات في تلك القرية ولم يخرج يوما خارجها ولكنه يردد مقولة انها أم الدنيا ولو سألته ماهي الدنيا لقال لك بكل بساطة: لم أر يوما حلوا فيها كله شقاء ومذلة وجري خلف لقمة العيش؛ وكل شيء يراه في التليفزيون الرسمي ولا يسمع سواه؛ ويضبط وقته عليه؛ يفطر صباحا ويتناول غداءه بعد صلاة الظهر وعشاءه بعد صلاة المغرب وينام بعد حديث الروح؛ ويردد دائماً أم الدنيا. عن الدين بصيغته القروية وماينسجونه من أوهام حوله، ويقولون انه الصيغة المنزلة من الله ولم يقراوا في يوم كتابا ليعرفوا حقيقة ماقاله الله وماقاله الفقهاء حول ذلك. 

أتذكر مدرستي التي تعلمت فيها وازورها كلما ذهبت للقرية واقف امام فصلي واقول هنا كانت لي اجمل الذكري؛ تغيرت كل ملامح مدرستي الا بعض الأركان فيها كما هي لم تتغير تحمل رائحة السنين بين جنباتها؛ أتذكر أستاذي الذي تعلمت علي يديه طيلة ٥سنوات هي عمر المرحلة الابتدائية كم كان خلوقا ووقورا ومخلصا في عمله؛ كنا نحبه وكان يحبنا ويحكي لنا قصصا ونقضي ساعات سويا في المكتبة معه؛ كم كانت رائحة المكتبة جميلة ودافئة تحتضن الكتب وتحتضننا معها؛ عن شيخي الذي أحببته ومكثت بجواره ١٠سنوات من عمري قرأت علي يديه القران والقراءات والفلسفة والشعر والفقه ولازمته حتي مماته؛ كان وحيدا في بيته المتواضع هو وزوجته التي كانت تقاربه العمر ولم يكن لأحد ان يسال عليهما الا قليل من أقربائهم علي خجل؛  كم كان عفيفا لا يسال الناس شيئا؛ تعلمت منه مقولة ابن حزم : الناس كالنار تدفأ بها ولا تخالطها؛ ومقولته الجميلة ماكان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل. أتذكر يوم رحيله؛ كم كانت لحظة صعبة؛ عظيمة الألم حتي الان؛ وأتذكر رحيل زوجته بعده ب٦ أشهر؛ وأتذكر حينما أمر امام بيته واقف أمامه واردد قول الشاعر: 
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم احلام. 


أتذكر حالي طيلة الثلاثين عاما اتقلب في مركب الحياة فتارة تغلبني وتارة أغلبها، لكني لازلت اعيش اللحظة التي أنتظرها، إنها لحظة النهاية التي قادتني للبدايات؛ فجعلتني أفكر في بداية الكون وخالقه؛ وعن البحث عنه لعدة أعوام حتي وجدته واهتديت اليه فوجدته مهيمنا، متجليا علي الكون يلامس قلوب المؤمنين به؛ فيشعرون به وبتجلياته، يعرفون أنفسهم من خلاله ويجدون الرحمة والطمأنينة في حضرته؛ انه يسيّر الكون ويرعاه، عن الصيرورة نحو الفناء شئنا ام أبينا كانت لنا الحياة ألم تكن؛ كيف كانت البدايات وكيف هي النهايات؛ متي ساعرف؛ لا أدري؟

عن أصناف البشر الذين قابلتهم في حياتي منهم الصادق ومنهم الجاحد ومنهم المنافق ومنهم صاحب المصلحة ومنهم الخائن والمتملق ومن باع نفسه وجعلها رهنا للمال ومنهم من جعلها رهنا للشهرة ومنهم من جعلها رهنا للسلطة. المخلصون في زماننا قليلون لكنهم بلا شك هم الأقدر علي البقاء بقيمهم وأخلاقهم وإخلاصهم لما يؤمنون به.


أقلب وجوه الناس هنا في برلين لأعرف ملامح وجوههم أجدهم ضاحكون متفائلون و الكتاب دائماً رفيقهم؛ وكلما وقعت عيني علي شخص عابث  وملامحه اكبر من حقيقة عمره اعرف انه ينتمي لمنطقتنا بهمومها السياسية والاجتماعية. هنا عرفت معني الجملة التي تقول: تقييد العقول بالأوهام أشد من تقييد الأجساد بالأغلال: عرفت  أن أكبر عدو للشعوب هو الجهل إذ هو طريق الحاكم ليستبد بهم ويقيدهم بالأوهام ويزيف ويعيهم ويجعلهم في دائرة من الخوف والحزن ويسلط بعضهم علي بعض. العلم والمعرفةهما طريق كل شيء .
فالحضارات تبني علي العلم والأخلاق ؛ فاحرصوا علي العلم والتعلم .
اذكروا الضعفاء والمنسيين وكونوا لهم عونا ولا تكونوا عليهم؛ وانتزعوا حريتكم بإرادتكم ولا تجعلوا مصائركم بيد غيركم، وتحرروا من أوهامكم، اكسروا القيود وكونوا للمعذبين في الارض؛ ابحثوا عنهم وخففوا آلامهم وامسحوا دموعهم بالكلمة الطيبة والابتسامة، و لا تنتظروا من الناس شيئا، 


أما أعظم شيء في الوجود فهو الحب، ابحثوا عن الحب ولا تتركوه وابذلوا الغالي والنفيس من أجله؛ فلا قيمة للحياة بدونه فهو قمر الليالي المظلمة وغاية النفوس وكفايتها، أخلصوا لمن تحبون وضحوا من أجلهم وكونوا لهم عونا وأعطوهم كل شيء ولا تبخلوا عليهم فالحب لا يعوض واجعلوا شعاركم فيه الصدق فكونوا صادقين، اجعلوا القلوب والأرواح تلتقي وتعلن للجميع أنها قلوب تحب وأرواح تنتمي لمن تحب،عانقوا من تحبون والمسوا أيديهم واجلسوا بجوارهم واركنوا اليهم ما استطعتم إلي ذلك سبيلا. 


Mittwoch, 30. April 2014

وداعا باسم


وداعا أيها الباسم النبيل: 


قلمي يخط هذه الكلمات ودمع عيني ينسكب، منذ البارحة ولم تتوقف دموعي، كل جزء في جسدي يتألم لفراقك وروحي يخنقها البقاء بدون أمثالك؛ لم أنم ليلتي وكلما غفوت وجدتك معي، قل لي كيف أحاط الموت بك؟ هل آلامك؟ هل شعرت به؟ هل آلمك السقوط؟ هل تألمت عندما التقي جسدك بالأرض؟ هل كانت قاسية عليك؟ هل سمعت عنك وعن إنسانيتك وعن حبك للجميع؟ هل كانت رفيقة بك و حنونة عليك؟ 

لماذا رحلت؟ فراقك كان يعني فراق الانسانية؛ أسارع الزمن وانظر خلفي بعد مرور سنوات وأتساءل هل رحل حقاً؟ هل ضمه القبر فعلا؟ ياويل نفسي لم أعد احتمل ذلك، فراقك فجر كل آلامي وأحزاني؛ كل لحظة في فراقك تؤلمني وتقض مضجعي. لقد كبرنا يا باسم وصرنا نفارق أحبابنا؛ لم أدرك ذلك إلا عند رحيلك. 


هل تتذكر أول لقاء جمعنا؟ أول مرة تحدثنا فيها، عندما أرسلت لي علي تويتر تريد رقم هاتفي ولم أكن أعرفك قبلها، كان ذلك مع بداية إنشاء حزب الدستور، وتحدثنا بعدها في الصباح الباكر عند الساعة السادسة صباحا، كنت حينها في قريتي؛ جاء صوتك حنونا ودافئا كصباح القرية؛ فقلت لي أريدك معنا نريد أن تنجح تجربتنا وان نكون لحظة التقاء للجميع، قلت لك حينها: دعني أقابلك أولا وسأحادثك عند عودتي للقاهرة. هاتفتك وتقابلنا بعد احدي المسيرات في نهاية 2011، اول ما وقعت عيني عليك قابلتها بابتسامتك الجميلة وروحك الخفيفة وقلبك الأبيض ، تجولنا سويا في شوارع وسط البلد وتحدثنا؛ اذكر كل لحظة كانت بيننا، كل كلمة قلناها؛ وجدتك مختلفا، تفكر بعمق وفي المستقبل، وتشرح كل شيء وتقول إن الثورة ضعيفة وتحتاج إلي من يقويها ولن تقوي إلا بوجود الجميع في خندق واحد وأن يتنازل الجميع عن أيدلوجيته وقناعته الحزبية؛ ولتكن مصر هي اللحظة التاريخية التي نتعامل معها؛ ثم تحدثنا عن أمورنا الشخصية وسألتني عن دراستي فقلت لك سأسافر لألمانيا لاستكمال دراستي ولكنني أجلت سفري حتي أري ماذا سيحدث؛ سألتك عن عملك فقلت ان لديك شركة سينما انت وأهلك، وطلبت مني ألا أخبر أحدا، فقلت لك هل تخاف من الحسد، أم تخاف أن يعرفوا عن برحوازيتك؟ فضحكت حينها وقلت لقد خسرت شركتنا كثيرا الفترة الماضية ولم نعد برجوازيين ياعم تقادم، ضحكنا ودعوتك لتناول طعام الغداء، ثم قلت لنأكل ساندويتشات سريعا؛ ثم تراجعت وقلت انا نسيت، انا عامل رجيم وأهلي في انتظاري اليوم لتناول الغداء؛ فقلت لك غفرت لك بسبب اهلك. 


كم كان لقاؤك حلوا كم كان لطيفا، كم كنت ودودا؛ أتذكر مقالاتك التي كنت ترسلها لتأخذ رأيي، ثم اكتب وأقول لك: ازاي اقدر اقول رأيي في كتاباتك؛ كنت أقف مدهوشا من هذا الإبداع الذي يخطه قلمك؛ وهذه العزوبة الرائعة، كنت عظيما في كل شيء حتي فيما تكتب؛ ولن انسي في احدي المرات حينما قلت لك ياريت تعلمني لحظة تعاطيك وتعاملك وتفاعلك مع الكتابة، اعتبرني تلميذ عندك. فضحكت وكان الخجل رفيق ضحكتك كالعادة. 


اخر اتصال بيننا كان منذ اسبوع ونصف؛ حينما كنت أريد أن أسمع رأيا مختلفا من شخص أجد عنده كل فضيلة وكل إنسانية كنت أنت يا باسم. حينما سألتك أريد أن أزور أهلي في مصر زيارة سريعة؛ فكانت إجابتك ليس الآن؛ و كانت جملتك التي أتذكرها حينما قلت لك و ما هو الوضع الان في مصر وكيف تراه؛ فقلت لي : الجنون يضرب كل شيء. 

صدقني لو أكن أعلم أنني لن أقابلك مرة أخري لما سافرت دون مقابلتك ووداعك والجلوس معك أكبر فترة. برحيلك رحلت أشياء كثيرة ومعاني لم أكن أعرفها إلا معك ومن خلال كلماتك، كنت حلما واستفقنا من الحلم ياباسم، الموت يعني غياب الأحبة، الموت يعني اننا نعاني عند رحيل من نحب، كم كنت إنسانا نبيلا. 
آلام الفراق والغربة اجتمعا عليّ كنت أتمني أن أكون في توديعك، لكن الزمان ضنّ علي بهذه اللحظة ياباسم وكأنه يريد أن يجعل نفسي نفسا مكبّلة بالعذاب، يقتلها الفراق والاغتراب.

وكأن أبو تمام كتب هذا لك ولأمثالك: 

 ثُمَّ اِنقَضَت تِلكَ السُنونُ وَأَهلُها فَكَأَنَّها وَكَأَنَّهُم أَحلامُ.

وداعا أيها الحلم، وداعا أيها النبيل الباسم، وداعا يا صديقي.  حتي الملتقي. في جنة الخلد ياباسم . 

محبك