وداعا أيها الباسم النبيل:
قلمي يخط هذه الكلمات ودمع عيني ينسكب، منذ البارحة ولم تتوقف دموعي، كل جزء في جسدي يتألم لفراقك وروحي يخنقها البقاء بدون أمثالك؛ لم أنم ليلتي وكلما غفوت وجدتك معي، قل لي كيف أحاط الموت بك؟ هل آلامك؟ هل شعرت به؟ هل آلمك السقوط؟ هل تألمت عندما التقي جسدك بالأرض؟ هل كانت قاسية عليك؟ هل سمعت عنك وعن إنسانيتك وعن حبك للجميع؟ هل كانت رفيقة بك و حنونة عليك؟
لماذا رحلت؟ فراقك كان يعني فراق الانسانية؛ أسارع الزمن وانظر خلفي بعد مرور سنوات وأتساءل هل رحل حقاً؟ هل ضمه القبر فعلا؟ ياويل نفسي لم أعد احتمل ذلك، فراقك فجر كل آلامي وأحزاني؛ كل لحظة في فراقك تؤلمني وتقض مضجعي. لقد كبرنا يا باسم وصرنا نفارق أحبابنا؛ لم أدرك ذلك إلا عند رحيلك.
هل تتذكر أول لقاء جمعنا؟ أول مرة تحدثنا فيها، عندما أرسلت لي علي تويتر تريد رقم هاتفي ولم أكن أعرفك قبلها، كان ذلك مع بداية إنشاء حزب الدستور، وتحدثنا بعدها في الصباح الباكر عند الساعة السادسة صباحا، كنت حينها في قريتي؛ جاء صوتك حنونا ودافئا كصباح القرية؛ فقلت لي أريدك معنا نريد أن تنجح تجربتنا وان نكون لحظة التقاء للجميع، قلت لك حينها: دعني أقابلك أولا وسأحادثك عند عودتي للقاهرة. هاتفتك وتقابلنا بعد احدي المسيرات في نهاية 2011، اول ما وقعت عيني عليك قابلتها بابتسامتك الجميلة وروحك الخفيفة وقلبك الأبيض ، تجولنا سويا في شوارع وسط البلد وتحدثنا؛ اذكر كل لحظة كانت بيننا، كل كلمة قلناها؛ وجدتك مختلفا، تفكر بعمق وفي المستقبل، وتشرح كل شيء وتقول إن الثورة ضعيفة وتحتاج إلي من يقويها ولن تقوي إلا بوجود الجميع في خندق واحد وأن يتنازل الجميع عن أيدلوجيته وقناعته الحزبية؛ ولتكن مصر هي اللحظة التاريخية التي نتعامل معها؛ ثم تحدثنا عن أمورنا الشخصية وسألتني عن دراستي فقلت لك سأسافر لألمانيا لاستكمال دراستي ولكنني أجلت سفري حتي أري ماذا سيحدث؛ سألتك عن عملك فقلت ان لديك شركة سينما انت وأهلك، وطلبت مني ألا أخبر أحدا، فقلت لك هل تخاف من الحسد، أم تخاف أن يعرفوا عن برحوازيتك؟ فضحكت حينها وقلت لقد خسرت شركتنا كثيرا الفترة الماضية ولم نعد برجوازيين ياعم تقادم، ضحكنا ودعوتك لتناول طعام الغداء، ثم قلت لنأكل ساندويتشات سريعا؛ ثم تراجعت وقلت انا نسيت، انا عامل رجيم وأهلي في انتظاري اليوم لتناول الغداء؛ فقلت لك غفرت لك بسبب اهلك.
كم كان لقاؤك حلوا كم كان لطيفا، كم كنت ودودا؛ أتذكر مقالاتك التي كنت ترسلها لتأخذ رأيي، ثم اكتب وأقول لك: ازاي اقدر اقول رأيي في كتاباتك؛ كنت أقف مدهوشا من هذا الإبداع الذي يخطه قلمك؛ وهذه العزوبة الرائعة، كنت عظيما في كل شيء حتي فيما تكتب؛ ولن انسي في احدي المرات حينما قلت لك ياريت تعلمني لحظة تعاطيك وتعاملك وتفاعلك مع الكتابة، اعتبرني تلميذ عندك. فضحكت وكان الخجل رفيق ضحكتك كالعادة.
اخر اتصال بيننا كان منذ اسبوع ونصف؛ حينما كنت أريد أن أسمع رأيا مختلفا من شخص أجد عنده كل فضيلة وكل إنسانية كنت أنت يا باسم. حينما سألتك أريد أن أزور أهلي في مصر زيارة سريعة؛ فكانت إجابتك ليس الآن؛ و كانت جملتك التي أتذكرها حينما قلت لك و ما هو الوضع الان في مصر وكيف تراه؛ فقلت لي : الجنون يضرب كل شيء.
صدقني لو أكن أعلم أنني لن أقابلك مرة أخري لما سافرت دون مقابلتك ووداعك والجلوس معك أكبر فترة. برحيلك رحلت أشياء كثيرة ومعاني لم أكن أعرفها إلا معك ومن خلال كلماتك، كنت حلما واستفقنا من الحلم ياباسم، الموت يعني غياب الأحبة، الموت يعني اننا نعاني عند رحيل من نحب، كم كنت إنسانا نبيلا.
آلام الفراق والغربة اجتمعا عليّ كنت أتمني أن أكون في توديعك، لكن الزمان ضنّ علي بهذه اللحظة ياباسم وكأنه يريد أن يجعل نفسي نفسا مكبّلة بالعذاب، يقتلها الفراق والاغتراب.
وكأن أبو تمام كتب هذا لك ولأمثالك:
ثُمَّ اِنقَضَت تِلكَ السُنونُ وَأَهلُها فَكَأَنَّها وَكَأَنَّهُم أَحلامُ.
وداعا أيها الحلم، وداعا أيها النبيل الباسم، وداعا يا صديقي. حتي الملتقي. في جنة الخلد ياباسم .
محبك
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen